تفاجأت بتسارع الأحداث ثم ألقيت بنفسي في دوامتها حتى أصبح الجلوس إلى مدونتي للحديث عن الخرافة عمل خرافي في ذاته ، الموت كان خبز يومي، وصوت القلم يبدو خفيضاً عند دوي المدافع، لا حاجة للاعتذار..فهذه أيام مزدحمة ولا أحد يحفل.
الفرق شاسع جداً بين أن تشاهد الدم عبر أسطر منشورة أو عبر أهداب مذيعة وأن تشاهده عبر شارعك مسفوحاً من طفل، فهاهنا مستبد حقيقي يعض على أديم العرش بأضراسه ويحرق جثث قتلى شعبه ويعتبر ثمن حياتك وكل من تعرف أولا تعرف تساوي صفر.
الديكتاتور أغلق عينيه طيلة الوقت واكتفى بالاندهاش والعربدة مطلقاً يديه حتى قعقع السلاح عند أذنيه، ظن رسول الصحراء أن الأرض ومعها الشعب هما ثمن نبوته التي يرثها بنوه ذوي الدم الأزرق اثنان وأربعين سنة طويلة أخرى وأن هذا هو القدر.
وأنا أسخر منه وأتجول في شوارع بنغازي بدون أن أرى له أي صورة أو مبنى أو أثر بعد بضعة أيام فقط من انطلاق الثورة، أمر يخلف في النفس شعوراً من النشوة وكأن مشكلتي مع النظام كانت شخصية بحتة، أنهار الدم التي سالت جعلت الويل نفسه مقبولاً ولا يبقى القذافي حاكماً، تكاتفت الأيدي وكأن الجميع ممثلين في فيلم تبشيري مغالى فيه، وبدل أن يردد الناس (إرحل) رددوا (قادمون إليك)، باقي القصة تعرفونها.
تكبير.. الله أكبر.. وأسلحة الفتك تطلق حممها على البيوت والله نائم، تكبير..الله أكبر..والشباب يُقتلون في حرب غير متعادلة والله غير مهتم، تكبير..الله أكبر..والناس في رمضان يحمدون الله على حمايتهم من القذافي بينما من يفعل هي طائرات من غير طيار صنعها علماني فاجر، تكبير..الله أكبر..والأشهر تتالى والناس تمشي على الجمر..داعين الله..لكنه أصم، تكبير..الله أكبر..وأخيراً سقط الطاغية..فيبدو أن الله استيقظ متأخراً جداً بعد سنين من العذابات وعلى وقع رصاص الشعب الهادر وقذائف الناتو ليُسقط الطاغية في آخر المطاف على أرض محروقة، تكبير..الله أكبر كذبة.
لم يعد لحالة الكمون معنى فكافة النوافذ فتحت ويجب صد من يحاول إغلاق أياً منها، الإسلاميون هنا بدأوا ينتظمون ويتمولون ويرشون ويتسللون إلى مراكز صنع القرار مزودين بكافة ما يلزم بدءً من القرآن وحتى راجمات الصواريخ، وما دام هناك من يرفض استخدام عقله وعلمه مستبدلاً ذلك بالمنهج الإلهي السحري فسيجد الإسلاميون كثير من الأتباع، وما أجمل الدين عندما يكون مطية لحشد الأصوات ببرنامج انتخابي لما بعد الموت، حتى أنني أراها جولة خاسرة للتيار العلماني منذ الآن فيبدو أن الشعوب تحب أن تجرب بنفسها..وتكرر تاريخ من سبقها..حتى تدرك فداحة خطأها، وأرجو حينئذ أن تجد خط رجعة رغم فوات الأوان.
فإذا زار أحد هذه المساحة يوماً فسيجد التعليق مفتوحاً للجميع حتى أجد عذراً للمرور هنا مراجعاً ما يستجد، كما سأظل على Facebook وأتابع بريدي الظاهر على جانب المدونة لأتواصل مع كنزي من الأصدقاء، هذا بينما أنشيء مدونة أخرى باسمي الحقيقي تهتم بالجوانب السياسية والاجتماعية في بلدي فالتنوير مجالاته متعددة، وإذا تصادف أن وقع أحدكم على تلك المدونة وخمن من الطابع أو الأسلوب انها لي فليعلم أن المدونات كثيرة والأساليب تتشابه!
شكراً للجميع المتفقين والمختلفين والذين بين بين، وآسف لعدم تعقيبي على تعليقاتكم مؤخراً، فقد استفدت منكم وآمل أنني أفدتكم، وتحية للأصدقاء الأعزاء برجاء أن نظل على تواصل..
أستودعكم عقولكم، ودوماً أقول: